صراع المنطقة الوسطى في "حوض السمك"!

صراع المنطقة الوسطى في "حوض السمك"!

  • صراع المنطقة الوسطى في "حوض السمك"!

اخرى قبل 8 شهر

صراع المنطقة الوسطى في "حوض السمك"!

بكر أبوبكر 

 

في سياق العمل والفعل في كل المحطات والمواقف والمشاهد تكتشف نفسك، وتكتشف نماذج عديدة من الشخصيات ذات الطيف الواسع من الصفات أو السّمات إما المتداخلة أو المتوافقة أوالمتعارضة، وتدرك ضرورة أن تفهم وتعي وإلا خسرت.

أنظر حولك وهكذا يفعل غالب الناس وإن كان الأجدر أن تنظر لنفسك أولًا، أنظر حولك فإنك تجد الشجاع ولكن الذي يأنف من خدمة الناس، وتجد الأناني لكنه اللطيف نظيف اللسان، وتجد الكريم لكنه الباطش، وتجد المحبّ لكنه القاسي، وتجد العالِم لكنه قليل الخير للآخرين، وتجد المعلّم في مجاله لكنه المنافق أو الكذاب.....الخ.

وهكذا هي الحياة وهكذا هي البيئة الملتصقة بك، أو الدوائر المحيطة حيث الصلاح ليس كاملًا دومًا وحيث التناقض قد يكون ظاهرًا، وحيث الصراع والاختيار والقرار دائم.

قد تكون أنت شبيهًا بإحدى الشخصيات المذكورة أو غيرها الآلاف من النماذج، وإن لم تكن فأنت ربما ممّن صفاتهم السيئة والجيدة إما: 1-تتداخل او 2-تتوافق أو 3-تتضارب فتظهر للعلن، أوتظل كامنة تخوض صراعها ناهدة نحو أحد الحدين.

إن من شأننا -إن فهمنا هذا العمق- أن نخوض صراعنا الذاتي الداخلي (داخل ذوتنا وأنفسنا) فنسمح بالتداخل ما بين الصفات ساعين لأن يكون اللون الأخضر الايجابي هو المتفوق. أو أن نكون متوافقين دومًا أو غالبًا فنستبعد كل تلك الصفات السلبية (الحمراء)، وهذا لعمري عمل شاق وقد لا يتفق مع المرء في كل المواقف.

أعتقد أنه من المقبول أن يكون الإنسان النبيل أو الانسان السوي المتوافق مع ضميره وقوله وعمله هو ذلك الانسان الذي يتأرجح (في ذاته) ساعيًا الوصول في كل امر الى الاقتراب من منطقة التوافق الكامل، وهي  الحالة المثلى.

فيما أن الانسان حاضنة الشر (أو صاحب المباديء الانتهازية، الشهوانية، الاستغلالية اللاقيمية...) يسعى في صراعاته أن يقفز عن كوامن الاخضرار وصولًا ما أمكن للحد الأحمر حيث مطلق الشر.

إن التداخل باتجاه التوافق مهما بدا التناقض أحيانًا نتيجة حالة الصراع في الانسان السوي-إن جاز لنا وصف انسان غير مثالي بسويّ-يمثل الحالة التي تعني بقاء الذات في شغل دائم تصارع فيها كوامن الشر-بألوانها وتداخلاتها وشدتها- لتتغلب كوامن الخير في صراع الأخضر مقابل الأحمر وهو ما أسقطه المولى علينا حين قرر صراع القوى الداخلية. (ألهمهما فجورها وتقواها).

الانسان في حيّز حوض السمك، والصفات

لنتفق كالتالي أنك فيما نسميه بيئتك الداخلية، داخل نفسك أو داخل عقلك، فإن أفكارك ومضامين صفاتك ورغباتك، وحاجاتك الانسانية...الخ تعيش بداخلك في داخل صندوق كبير أو حيّز كبير يشبه المستطيل أوبأبعاده الثلاثية متوازي المستطيلات أو ما يشبه حوض السمك المستطيل، أولربما تراه يشبه ملعب كرة القدم في حدّيه النوراني يمينًا، مقابل الشراني بالحد الآخر شمالًا، وفي داخله أي داخل (حوض السمك) توجد بالوسط (المنطقة الوسطى) أين يتموضع غالب الناس المتأرجحين حسب المواقف بينهما، وأن المشاعر والأفكار والصفات والخيارات والقرارات ما بين الحدّين في صراع دائم.

بشكل آخر يمكننا القول أنه في (حوض السمك/متوازي المستطيلات) هذا أو الحيز فإن الصراع والرجرجة والحراك (توافق ، تداخل، تضارب) دائم ما بين الحدّين أي يمينًا ويسارًا، ولك أن تتصور الحيّز هذا كأنه حوض سمك من الزجاج المليء بأحد السوائل الكثيفة دائمة الحركة والرجرجة، وحركتها (السوائل هنا توازي الأفكار والصفات..) موقوفه على نتيجة صراعك في كل أمر أوموقف.

أن الانسان يمتلك صفات إيجابية (خضراء) وصفات سلبية (حمراء) ولكنها ليست بنفس الدرجة   وليست بنفس الحدة أو الشدة في اللون بالحقيقة، الا لدى الشخصيات النورانية الكاملة، كاملة النور ما يقترب بها ربما من الملائكة، مقابل الشخصيات الشرانية أو الشيطانية كاملة الشرور (أنظر نموذج أبولهب في التاريخ الإسلامي، مقابل الصحابة، أو تلاميذ السيد المسيح مقابل من سعوا جاهدين لقتله وصلبه...الخ).

الإنسان العادي يعيش حياته يصارع في الحلبة أي في المنطقة الوسطى من الحيز المستطيل، متوازي الأضلاع، حيث قد تطغى تداخل الصفات بدراجتها (هو شديد بنسبة 8/10، وهو لطيف بنسبة 6/10، وهو متعاطف بنسبة، وهو متفهم بنسبة...، وهومنطقي بنسبة...، وهو متهور بنسبة...، وهو متآلف مع ذاته بنسبة، وهو يحب الخير للناس بنسبة...الخ) وبألوانها وشدتها المتعددة فيها.

إن الصراع لا يتوقف بل قد يبدأ عند كل موقف أو حدث أو تصرف، إلا لدى أولئك النورانيين المستقرين، وفي مقابلهم الأشرار كاملي المواصفات الشرانية.

إن الصراع قد يكون ذاتيا أي بينك وبين أفكارك، معتقداتك، قيمك لا يشاركك بذلك أحد، أو قد يكون صراعًا مع الآخر شخصًا أو الجماعة وبالتالي يعكس ذاته بالضرورة داخلك (داخل متوازي المستطيلات)، وقد يكون صراعًا ذو طبيعة اقتصادية أو قيمية او مبدئية أو سياسية اوعشائرية او رياضية أوثقافية وغيرها من أنواع الصراعات، التي تضفي على الرغبات والحاجات والدوافع والأفكار لونًا محددًا اي لونًا للصراع الداخلي لكنه في جميع الأحوال داخل ذاتك صراعٌ تخوضه.

قناة الإرشاد والثروة

عندما تكون قناة الإرشاد الذاتي، أو المرجعية الشخصية، أو المنهجية المسيرة لحياة الانسان السوي -كما نراه- مرتبطة ب

 1-المبادئ المُصانة

 و2-الضمير الحي

 3-وحب الخير

 4-وقيم الأُثرة والخدمة

 5-ورضا الخالق

مقدمة على ما سواها، فإن النجاح في صراعك ضمن المنطقة الوسطى يكون مشهودًا في غالب المواقف.

عندما تُداس المبادئ ويغيب الضمير الحي عند أول حفنة من الأوراق المالية، أو عند غمزة عين من صاحب قوة أو نفوذ أو سلطة حاكمة، وعندما يصبح حبّ الخير(المال) مربوطًا بالمصلحة الذاتية على حساب الغيرية أو المصلحة العامة، فإن السقوط  هو النتيجة. ما لا  ينفع معه في صراع المنطقة الوسطى ادعاءات النتيجة (أنظروا النتيجة لقد فزت!؟) بامتلاك القوة أو النجاح المزيف أو الثراء أو المكانة الاجتماعية أو الوظيفية أو السياسية نتيجة ما سبق.  

كله زائل، ولا يبقى الا ما قاله سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أي ما قام بفعله الانسان خيرًا سواء لمصلحة الناس في معيشتهم أو عقلهم أو أمانهم أو تآلفهم.

بمعنى آخر حينما حين يسرق أو يخادع أو يحتكر أو يكذب أو يستغل التاجر الفلاني أو السياسي العلاني أو الشخص الفلنتاني في أي موقع كان، ويقيم نتيجة ذلك ثروة مالية أو سياسية أو حتى عشائرية اومجتمعية أو إدارية...الخ، وهي (الثروة) نتيجة كان أصلها تلك الصفات والمسلكيات، فإنه يكون قد قطع شوطًا طويلًا في صراعه بالمنطقة الوسطى باتجاه الحد الأيسر أي الحد الشراني، فإن استقر عليه في معظم مواقفه اللاحقة فلا يستطيع أن يزيل بقع سواد ثوبه إلا من رحم ربه، وعاد قبل فوات الأوان.

الحيّز وتناقض الصفات

إن الشخص  السوي الراغب بالتوفيق بين قناة الإرشاد الذاتي أو المرجعية ومبادئه وبين مسلكياته يخوض صراعه وحربه الدائمة أمام عديد المغريات فقد ينتصر بموقف فيسجل ويحسب له، وقد يخسر فيسجل ويحسب عليه. ولكن إن ظلت قناة الإرشاد كما هي-برأينا- فلا بد أن يتواصل بصراعه الذاتي مستهدفا في كل أمر الاقتراب أوتحقيق التوافق والاستقرار قريبًا من الحد النوراني.

لا تستغربوا من تناقض الصفات الظاهرة في ذات الشخصية للفرد الواحد في المواقف المختلفة، في الحيّز (حوض السمك) فهو من طبيعة الانسان خاصة ذاك الواعي بذاته، المتصارع مع ذاته، ومنهج حياته والراغب بالاستقرار(الداخلي النفسي الضميري) وإحداث التوازن.

لقد عرفت في حياتي الاجتماعية والتنظيمية والسياسية عديد النماذج في منطقة التداخل، أوالتضارب والتناقض، بينما كان من استقروا على منطقة التوافق الدائم (باتجاه النورانية أوالشيطانية الكاملة) قلة.

1-تعرفت على (ن) وهو بلا شك عفيف اللسان والفرج، ولكنه جبان وكذاب.

2-وعرفت (س) الذي هو لطيف لكنه حقود على من يخالفه.

3-وعرفت (ح) الذي هو أحد الشياطين أو الأشرار في ثوب الحملان أحيانًا لمن لا يعرف دخائله فهو قد قطع كل صلته مع الحد النوراني وخاض -أو لم يخض- صراع المنطقة الوسطى ليلتصق بالحد الآخر أي الحد الشيطاني. إنه متوافق مع نفسه في كل صفات السلبية الا ما وجب أن يحفظها من صفات إيجابية خادمة ومؤقتة.

4-وعرفت (م) وهو الشخص المستبد مطلق اليد الحقود، لكنه بالمقابل القوي في مجاله الملتزم بأفكاره.

5-وعرفت (أ) المعتز بذاته وأحيانًا المغتر بها لكنه أيضًا اللطيف الودود، ولكن أيضًا الجبان الانسحابي حين يحمى الوطيس.

6-وعرفت (ل) حيث انعدام التعاطف والشعور الدائم بالنقص، وإنكار الخطأ مهما بدا جليًان لكنه بالمقابل خدوم نشط في خدمته.

وهكذا فقد كتبت في نماذج وأنماط الشخصيات وكثير من السمات المتوافقة أو المتضاربة والمتصارعة فيما سطرته سابقًا من مقالات متعددة.

خلاصة القول هنا أن المساحة داخل الحيز أو داخل المنطقة الوسطى من حوض السمك ما بين الحدين أو الطرفين أي النوراني مقابل الشراني تجد فيها الكثير مما هبّ ودبّ. وتجد فيها الضال والمضلّ كما تجد فيها الطيب والجميل والمتصالح مع نفسه، مقابل ذاك الذي يوزع الشرور كعيديات في عيد الأضحى المبارك أويقطع الكعكة في احتفالات الفوز.

بين النوراني والشرّاني

النورانيون وعلى قلتهم إن افترضنا أنهم 10 بالمئة من الناس، فأعتقد أننا متفائلون وأتمنى ذلك أو أكثر، (في سياق تضييق أشد فهم 1% من الناس حيث النبيين والمصلحين ...) ولكنهم هم من قطع المسافة الفاصلة بين الحدين فطلّقوا الحد الثاني (الشيطاني) وخاضوا صراع المنطقة الوسطى داخل الحلبة حتى وصلوه بعد سنوات جهد وعمل وإثر مشقة فتموضعوا في منطقة رياض الصالحين أو النورانيين.

الشرّانيون قطعوا حبل العودة منذ البداية مع الحد الآخر أي النوراني، منذ أن أسفر وجههم المكفهر على الدنيا، أومنذ خطواتهم الأولى نحو الوعي. وإن افترضنا خوضهم صراع المنطقة الوسطى في الحلبة أو الملعب المستطيل أو حوض السمك فإنهم قد فشلوا -هذا إن انتبهوا لضرورة خوض الصراع للتغلب على كل كوامن السوء فيهم- أو بعناد وكفر وإصرار، فاستقروا بالحد الأقصى حيث الصورة الشيطانية تميّزهم لا آمنين ولا مطمئنين.

بين الإقدام والاحجام

قد يُقدِم الانسان على القيام بفعل محدد، ضمن موقف ما دون أن يحتسب العواقب، وأحسب أن عديد الناس الذي لا يعملون بهدف أو قناة إرشاد ضمن هذه المنطقة المحيّرة، فمتى ما رأى تحقيق المصلحة له، فإن الفعل الذي يقوم به أيّ كان بغض النظر عن الآثار الجانبية يصبح مقبولًا لديه.

ولدى انسان آخر فإن الإقدام على فعل ما يتوجب أن يحتسب فيه المخاسر والمرابح (القيمية، المادية، النفعية، المصلحية...) سواء له أو للآخرين المتأثرين، فتكون النظرة أوسع وفي نطاق صراعات المنطقة الوسطى حيث محاولة إحداث التوازن الدائم بين الفعل والإقدام وبين الاحجام وتجنب العواقب السلبية.

في نطاق الشخصية النورانية (المثالية بالخير) مقابل الشيطانية (المثالية في الشر) وهما شخصيتان على جانبي الحيز أو متوازي الأضلاع (حوض السمك) وتمثلان القلة متناهية الصغر في أي مجتمع أو بيئة (سياسية، اجتماعية، اقتصادية، عشائرية، تنظيمية...) فإن للإقدام والاحجام قوانينه المرتبطة مما ذكرناها بالنقاط الخمسة (منهج الحياة/المرجعية/قناة الإرشاد) من: المبادئ المصانة والضمير الحي وحب الخير وقيم الأثرة والخدمة وأولوية رضا الخالق.

فمتى كان الفعل أو رد الفعل مقتربًا من تحقيقها فهو كانسان يقترب حثيثًا -كلما زادت نقاطه ونجاحاته في صراعاته- من المنطقة النورانية، أو الآخر على النقيض يقترب من جحيم الحد المقابل.

غالب الناس يصارعون (بعضهم يدللّون) شهواتهم وأمانيهم ورغباتهم وآمالهم وتطلعاتهم وأفكارهم وأهدافهم وطموحاتهم... مستخدمين وسائل عدة، ومبرزين صفاتًا متفاوتة لتحقيقها فإما

 1-تتداخل أو

 2-تتناقض أو

3-تتوافق (أشكال الصراع الثلاثة)

في كل أمر أو موقف.... إنهم يعيشون كل حياتهم في المنطقة الوسطى حيث الصراع بإرادتهم أو بدون علمهم مستقرّ هنا، ومنه تأتي الخيارات والقرارات سواء كان منهج حياة/مرجعية/قناة إرشاد الشخص مرتبطًا بنقاطنا الخمسة أو غيرها.

البيئة الخارجية المحيطة

البيئة الفيزيائية الجسدية المحيطة بك أو المساحات المادية التي حولك قد تكون حافزة للعطاء والايجابية وهذا حسن، وقد تكون مثبطة للعطاء ومقعِدة عن التقدم.

إن الاستقرار (الأبدي) بالركون الى أحد حدّي التناقض غير قائم بالحياة العادية عامة، لأنك تعيش في وسط رجراج كحال بيئتك الداخلية والحيز المستطيل. بمعنى أنك قد تجد بذات البيئة الخارجية (الخارجية من نفسك) عوامل الجذب وعوامل الطرد (الإيجابية والسلبية) وتصبح صراعاتك وخياراتك هي الأساس.

فإما أن تحاول التحكم بالبيئة الخارجية (خارج ذاتك) أو تتحكم بنفسك أنت (بيئتك النفسية الداخلية داخل حوض السمك) وأنت بالثانية الأقدر لا سيما

إن نويت

وتوكلت

وعملت

والتزمت

وقدمت رجلًا تتبعها الأخرى

 ثم تناغمت.

وإن لم ترد خوض الصراع لا داخليًا ولا خارجيًا فإن العواقب واضحة أنك تصبح إما شخصية سلبية على هامش المجتمع، أو منعدم الشخصية أو التأثير، أو تابعًا يُداس بالأقدام.

لسنا أنبياء ولكن!

ذكرنا أن الشخصيات النورانية مقابل الشرانية هي ما تمثله القلّة القليلة. فإن افترضنا بالأنبياء والصالحين فقد ضيقنا النطاق كثيرًا، وإن وسّعناه فقد تشمل كل من الدّعاة المؤمنين بكل الأديان والرسالات الدينية أو الاجتماعية أو السياسية. ولا يستقيم بتاتًا القول بتحول الكافة من الناس لأحد الحدين أو الطرفين (النوراني/الشراني) إلا ما ندر وهو سعي الأديان، وكل المصلحين في الدنيا نظريًا.

نشير ثانية أن معظم الناس في بيئتهم الداخلية، داخل نفوسهم وداخل عقولهم أي في داخل متوازي المستطيلات أو الحيز ذو الحدين يتموضعون في منطقته الوسطى مترجرجين ذهابًا وإيابًا ما بين الاقتراب في موقف أو مشهد أو تصرف أو فعل من يمينه (النوراني) والاقتراب في موقف آخر من يساره (الشراني) والفائز من أتقن خوض الصراع فجعل الاقتراب من أحد الحدين متوافقا غالبًا مع مبادئه وقيمه التي هي الهادي والمرشد فيفوز بالنقاط.

بالطبع أنت لست نبيًا أو رسولًا ولن تكون مهما اجتهدت بالاقتداء، ولست في درجات الصالحين (نتمنى من الله لنا ولكم-أو مَن رغب-أن يكون فيها) فإن هذا لا يغنيك مطلقًا عن السعي المتواصل للوصول لهذه الدرجة، ما كان الفعل والسلوك والتصرف مرتبطًا بمنهج القيم والمبادئ.

·       بمعنى آخر لنتصور أنه في موقف (س) وأنت بالمنطقة الوسطى في ذاتك تتصارع مع إيجابياتك وسلبياتك... ساعيًا لتحقيق الاقتراب من الحد النوراني، وأنك بالإرادة والعمل والتوكل وفّقت فكان لك من الجزاء 7/10 فإن كان الصفر يمثل الحد الشراني/الشيطاني وكانت العشرة هي الحد النوراني، ففي السبعة أنت القريب، فاعمل على أن تحقق ذلك في كل موقف أو فعل تقوم به، ولا تبالي فالضربة القاضية لا يستطيعها الا أولي العزم ولك أن تسعى لاتباع آثارهم.

·       في إطار السعي المتواصل للوصول أو الاقتراب لمستوى أو منطقة أو حدّ النورانيين في كل أو غالب المواقف أو السلوكيات يخوض الانسان العادي (غالب الناس) الصراع الداخلي، صراعهم الداخلي سواء فهموه أو لم يعوه.

·       إن فهم الناس أنهم في رحلة الحياة يتصارعون مع أفكارهم ورغباتهم ومفاهيمهم وشهواتهم ومواقفهم وخياراتهم.... الخ في كل زاوية أو موقف فقد اقتربوا من مرحلة وعي الذات. وفهموا التقديم للعمل على القول وفهموا معادلة 7/10 وكيف يتحققون من النتيجة استنادًا للقيم والمرجعية والمبادئ وقناة الإرشاد قدر الإمكان.

·       إن فهم الانسان في رحلة حياته أنه لا يختار أولايتصارع مطلقًا! وإنما هو مجرد إمعة تسير مع السائرين، ويتساوق مع الكثرة أو الجماعة أخطأت أم أصابت، أو تنفد الآمال دومًا أمامه، أو أنه لم يجد مرشدًا أوقدوة يرتبط بها، فهو إما ساذج او مغيّب عن الوعي أو جاحد.

·       كلما زادت الصلابة الذاتية المتأتية من عمق الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالمباديء، وباتباع القيم وحسن العمل المتواصل، كلما سعى الشخص بحقيقة الأمر في صراعه للتغلب على نوازع السلبية بداخله مقتربًا من الحد الأخضر(الحد النوراني) ما كان هذا هو هدفه النهائي.

·       قد تجد القدوة حيثما حطّت قدماك إن أحسنت اختيار بيئتك أو قيّض الله لك بيئة آمنة، وتجد الشِقوة في كل المساحات التي قد تحملك اليها الريح.

·       إن لم يفهم الإنسان أصلًا أن له دورًا محددًا في هذه الحياة (الاستخلاف وإعمار الأرض ومنفعة الناس) فهنا تقع الطامة الكبرى حيث يحصل الانجراف والخواء وشدة الفرح مقابل شدة الفزع، وحيث تناقضات الشخصية المريرة أحيانًا بين الحدّين، وأحيانًا في المنطقة الوسطى، بل وفي حالات أخرى في المنطقة الملاصقة تمامًا للحد الشيطاني حيث صراع الشهوات الطاغي فقط.

·       إن فهم الانسان في رحلة حياته أن المبادئ مجرد ما يفيد بهيميته فقط، أوما يحقق مصلحته الأنانية الفردية المتعاظمة فقط، فقد سقط في امتحان الاخلاق وامتحان الدين وامتحان معرفة لماذا هو موجود أصلًا. ويتعاظم هذا الأمر إن كان مرشده أو قدوته عاهرة مبتسمة تنشط على وسائل التواصل (التبعثر) الاجتماعي، أو قائد سياسي فاحش اللسان كذاب أشر وذيل للغرب، أومليونير وضيع يدعي الفضيلة وهو أبوالقبائح، أو مغنّي ساقط لا يسيطر على جسده او عقله، أو نموذج idol حقير بذاته وبما يفعل.

·        لربما يكون مرشد الشرّاني-أوذاك الشخص الساعي حثيثًا باتجاهه-  نفسُهُ الرديئة ولذائذه المنحرفة من سلطة منفلتة أو قوة أو شهوانية أو انحدار أو تضليل متعمد للآخرين، أوتشويه للصلحاء وتسليط الضوء على السفهاء والتفّه...ومن هنا يجيء أهمية القيم والمرجعيات الخلقية والمبادي، ومن هنا تأتي أهمية النموذج والقدوة الحسنة في المجتمعات وفي كل البيئات السياسية والاجتماعية و....

إن فهم الانسان في رحلة حياته أنه بلا إرادة، والقيم وقناة الإرشاد عنده غير ثابتة كمرجعية ومقياس لأفعاله، وإذا فهم أن المبادئ كحبل الغسيل، ويتبع ما يمليه المحيط المادي حوله، أو ما يمليه عليه عقله الفارغ من الفهم الناقص والمليء بالثقوب والندوب وحب الذات ومظاهر النزق الإنساني والمادية الاستهلاكية الغربية الاستعمارية الطاغية، فهو يغيب عن الوعي بالحقيقة، ولا يرى بالحياة الا إشباعات ذاتية بهيمية لايهمه مهما كانت متطرفة أو شاذة أو ضد المجتمع.

لقد جعل الله سبحانه وتعالى المؤمنين أمة الوسط حيث العقل والتوازن والاعتدال، فالخالق قد أضاء للمؤمنين الطريق على اتساع سبُله وتعددها، وما يتضمنه هذا الطريق من عقبات وعواقب وأظهر له الحدّين أو الطرفين الشراني مقابل النوراني، وما يكمن فيهما.

فكتب عليه ضرورة أن يعرف نفسه والآخرين وأن يعرف دوره في مجتمعه وبيئته وقبلها وأثناءها في ذاته في ضرورة خوض الصراع اليومي ليظل ساعيًا في كل أمر لتحقيق الضبط والتوازن لعله ينجو.

إن الصراع الحقيقي ومنهج العمل الحقيقي ضمن فهم الدور في الحياة يتناغم مع وجود القيم والمبادئ والمرجعيات التي تحرك الصراعات في المنطقة الوسطى ضمن الحيز أو متوازي المستطيلات (حوض السمك) في بيئة المرء الداخلية. وضمن فهم بيئته الخارجية وكيف يتعامل معها وفي إطار اختيار قدوته، إن لم يكن له من ذات المباديء منارة إرشاد كافية.

 

التعليقات على خبر: صراع المنطقة الوسطى في "حوض السمك"!

حمل التطبيق الأن